سورة الأنعام - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


فقال الله تعالى قاضيا بينهما: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} لم يخلطوا إيمانهم بشرك، {أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا إسحاق ثنا عيسى بن يونس أنا الأعمش أنا إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: لما نزلت: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على المسلمين فقالوا: يا رسول الله فأينا لا يظلم نفسه؟ فقال: ليس ذلك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا إلى ما قال لقمان لابنه وهو يعظه: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان، 13].
قوله عز وجل: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} حتى خصمهم وغلبهم بالحجة، قال مجاهد: هي قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ} وقيل: أراد به الحجاج الذي حاج نمرود على ما سبق في سورة البقرة.
{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} بالعلم قرأ أهل الكوفة ويعقوب {درجاتٍ} بالتنوين هاهنا وفي سورة يوسف، أي: نرفع درجات من نشاء بالعلم والفهم والفضيلة والعقل، كما رفعنا درجات إبراهيم حتى اهتدى وحاجّ قومه في التوحيد، {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}.
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلا هَدَيْنَا} ووفقنا وأرشدنا. {وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ} أي: من قبل إبراهيم، {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ} أي ومن ذرية نوح عليه السلام، ولم يرد من ذرية إبراهيم لأنه ذكر في جملتهم يونس ولوطا ولم يكونا من ذرية إبراهيم {دَاوُدَ} يعني: داود بن أيشا، {وَسُلَيْمَانَ} يعني ابنه، {وَأَيُّوبَ} وهو أيوب بن أموص بن رازح بن روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم، {وَيُوسُفَ} هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، {وَمُوسَى} وهو موسى بن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب. {وَهَارُونَ} هو أخو موسى أكبر منه بسنة، {وَكَذَلِكَ} أي: وكما جزينا إبراهيم على توحيده بأن رفعنا درجته ووهبنا له أولادا أنبياء أتقياء كذلك، {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} على إحسانهم، وليس ذكرهم على ترتيب أزمانهم.


{وَزَكَرِيَّا} وهو زكريا بن اذن، {وَيَحْيَى} وهو ابنه، {وَعِيسَى} وهو ابن مريم بنت عمران، {وَإِلْيَاسَ} اختلفوا فيه، قال ابن مسعود: هو إدريس، وله اسمان مثل يعقوب وإسرائيل، والصحيح أنه غيره، لأن الله تعالى ذكره في ولد نوح، وإدريس جد أبي نوح وهو إلياس ياسين بن فنحاص بن عيزار بن هارون بن عمران {كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ}.
{وَإِسْمَاعِيلَ} وهو ولد إبراهيم، {وَالْيَسَعَ} وهو ابن أخطوب بن العجوز، وقرأ حمزة والكسائي {واليسع} بتشديد اللام وسكون الياء هنا وفي ص {وَيُونُسَ} وهو يونس بن متى، {وَلُوطًا} وهو لوط بن هاران بن أخي إبراهيم، {وَكُلا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} أي: عالمي زمانهم.
{وَمِنْ آبَائِهِمْ} من فيه للتبعيض، لأن آباء بعضهم كانوا مشركين، {وَذُرِّيَّاتِهِمْ} أي: ومن ذرياتهم. وأراد به ذرية بعضهم: لأن عيسى ويحيى لم يكن لهما ولد، وكان في ذرية بعضهم من كان كافرا، {وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ} اخترناهم واصطفيناهم، {وَهَدَيْنَاهُمْ} أرشدناهم، {إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
{ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ} دين الله، {يَهْدِي بِهِ} يرشد به، {مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا} أي: هؤلاء الذين سميناهم، {لَحَبِطَ} لبطل وذهب، {عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} أي: الكتب المنزلة عليهم، {وَالْحُكْمَ} يعني: العلم والفقه، {وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ} الكفار يعني: أهل مكة، {فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} يعني: الأنصار وأهل المدينة، قاله ابن عباس ومجاهد، وقال قتادة: فإن يكفر بها هؤلاء الكفار فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين، يعني: الأنبياء الثمانية عشر الذين ذكرهم الله هاهنا، وقال أبو رجاء العطاردي: معناه فإن يكفر بها أهل الأرض فقد وكلنا بها أهل السماء، وهم الملائكة، ليسوا بها بكافرين.


{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} أي: هداهم الله، {فَبِهُدَاهُمُ} فبسنتهم وسيرتهم، {اقْتَدِهِ} الهاء فيها هاء الوقف، وحذف حمزة والكسائي الهاء في الوصل، والباقون بإثباتها وصلا ووقفا، وقرأ ابن عامر: {اقتده} بإشباع الهاء كسرا {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ} ما هو، {إِلا ذِكْرَى} أي: تذكرة وعظة، {لِلْعَالَمِينَ}.
قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} أي ما عظموه حق عظمته، وقيل: ما وصفوه حق صفته، {إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} قال سعيد بن جبير: جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين» وكان حبرا سمينا فغضب، وقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء.
وقال السدي: نزلت في فنخاص بن عازوراء، وهو قائل هذه المقالة.
وفي القصة: أن مالك بن الصيف لما سمعت اليهود منه تلك المقالة عتبوا عليه، وقالوا: أليس أن الله أنزل التوراة على موسى؟ فلِمَ قلت ما أنزل الله على بشر من شيء؟ فقال مالك بن الصيف أغضبني محمد فقلت ذلك، فقالوا له: وأنت إذا غضبت تقول على الله غير الحق فنزعوه من الحبرية، وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قالت اليهود: يا محمد أنزل الله عليك كتابا؟ قال: نعم، قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتابا، فأنزل الله: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء}، فقال الله تعالى: {قُلْ} لهم، {مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} يعني التوراة، {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} أي: تكتبون عنه دفاتر وكتبا مقطعة تبدونها، أي: تبدون ما تحبون وتخفون كثيرا من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم. قرأ ابن كثير وأبو عمرو {يجعلونه}، {ويبدونها}، {ويخفونها}، بالياء جميعا، لقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} وقرأ الآخرون بالتاء، لقوله تعالى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى}.
وقوله: {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا} الأكثرون على أنها خطاب لليهود، يقول: عُلِّمتم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ما لم تعلموا {أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} قال الحسن: جعل لهم علم ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فضيعوه ولم ينتفعوا به.
وقال مجاهد: هذا خطاب للمسلمين يذكّرهم النعمة فيما علّمهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
{قُلِ اللَّهُ} هذا راجع إلى قوله: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} فإن أجابوك وإلا فقل أنت: الله، أي: قل أنزله الله، {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14